للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٥]، ولهذا قرن هذا بقوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ أي صفتها ونعتها ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ أي سارحة في أرجائها وجوانبها، وحيث شاء أهلها يفجرونها تفجيرا، أي يصرفونها كيف شاؤوا وأين شاؤوا، كقوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ﴾ [محمد: ١٥] الآية.

وقوله: ﴿أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها﴾ أي فيها الفواكه والمطاعم والمشارب لا انقطاع ولا فناء، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت (١)، فقال: «إني رأيت الجنة-أو أريت الجنة-فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا» (٢).

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا عبيد الله، حدثنا أبو عقيل عن جابر قال: بينما نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله فتقدمنا، ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة، قال له أبي بن كعب: يا رسول الله، صنعت اليوم في الصلاة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه، فقال: «إني عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه» (٣). وروى مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر شاهدا لبعضه.

وعن عتبة بن عبد السلمي أن أعرابيا سأل النبي عن الجنة، فقال: فيها عنب؟ قال: «نعم».

قال: فما عظم العنقود؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع ولا يفتر»، رواه الإمام أحمد (٤).

وقال الطبراني: حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا علي بن المديني، حدثنا ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور، عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله :

«إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى». وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : «يأكل أهل الجنة ويشربون، ولا يتمخطون ولا يتغوطون، ولا يبولون، طعامهم جشاء كريح المسك، ويلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس» رواه مسلم (٥).

وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث الأعمش عن تمام بن عقبة، سمعت زيد بن أرقم قال: جاء رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم: تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟


(١) تكعكع: أي توقف وأحجم.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ٩١، ومسلم في الكسوف حديث ١٧، وأحمد في المسند ١/ ٢٩٨، ٣٥٨.
(٣) أخرجه مسلم في الكسوف حديث ١٨.
(٤) المسند ٤/ ١٨٤.
(٥) كتاب الجنة حديث ١٥ - ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>