للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام، فلما أتوه، قال بنو أخي الشيخ: عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم، وقال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا، وإن جبرائيل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى ، فقال: قل لهم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ فتضربوه ببعضها، وقال السدي (١): ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ قال: كان رجل من بني إسرائيل مكثرا من المال، فكانت له ابنة، وكان له ابن أخ محتاج، فخطب إليه ابن أخيه ابنته، فأبى أن يزوجه، فغضب الفتى وقال: والله لأقتلن عمي ولآخذن ماله، ولأنكحن ابنته، ولآكلن ديته، فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل، فقال يا عم، انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلي أن أصيب منها، فإنهم إذا رأوك معي أعطوني فخرج العم مع الفتى ليلا فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى، ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه، كأنه لا يدري أين هو، فلم يجده، فانطلق نحوه، فإذا بذلك السبط مجتمعين عليه، فأخذهم وقال: قتلتم عمي، فأدوا إليّ ديته، فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي وأعماه، فرفعهم إلى موسى فقضى عليهم بالدية، فقالوا له:

يا رسول الله ادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه فيؤخذ صاحب القضية (٢)، فوالله إن ديته علينا لهينة، ولكن نستحي أن نعير به فذلك حين يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: ٧٢] فقال لهم موسى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ قالوا: نسألك عن القتيل وعمن قتله، وتقول اذبحوا بقرة أتهزأ بنا ﴿قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ قال ابن عباس: فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا وتعنتوا على موسى، فشدد الله عليهم، فقالوا: ﴿اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ﴾ والفارض: الهرمة التي لا تولد، والبكر التي لم تلد إلا ولدا واحدا، والعوان النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها ﴿فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها﴾ قال: نقي لونها ﴿تَسُرُّ النّاظِرِينَ﴾ قال: تعجب الناظرين ﴿قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ. قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها﴾ من بياض ولا سواد ولا حمرة ﴿قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ فطلبوها فلم يقدروا عليها، وكان رجل من بني إسرائيل من أبر الناس بأبيه، وإن رجلا مرّ به معه لؤلؤ يبيعه، وكان أبوه نائما تحت رأسه المفتاح، فقال له الرجل: تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفا؟ فقال له الفتى: كما أنت حتى يستيقظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفا، قال الآخر: أيقظ أباك وهو لك بستين ألفا، فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفا، وزاد الآخر على أن ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة


(١) تفسير الطبري ١/ ٣٨٠.
(٢) في الطبري: «صاحب الجريمة».

<<  <  ج: ص:  >  >>