للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى إن أقصرهم أمنية ليقول: ربي تَنَافَسَ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ فَتَضَايَقُوا فِيهَا رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيها مِنْ يَوْمِ خَلَقَتْهَا إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ قَصَرَتْ بِكَ أُمْنِيَتُكَ، وَلَقَدْ سَأَلَتْ دُونَ مَنْزِلَتِكَ، هَذَا لَكَ مِنِّي، وَسَأُتْحِفُكَ بِمَنْزِلَتِي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَطَائِي نَكَدٌ وَلَا تَصْرِيدٌ «١» .

قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: اعْرِضُوا عَلَى عِبَادِي مَا لَمْ يَبْلُغْ أَمَانِيهِمْ، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُمْ عَلَى بَالٍ، قَالَ:

فَيَعْرِضُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَقْصُرَ بِهِمْ أَمَانِيهِمُ الَّتِي فِي أَنْفُسِهِمْ، فَيَكُونُ فِيمَا يَعْرِضُونَ عَلَيْهِمْ بِرَاذِينُ مُقْرَنَةٌ، عَلَى كُلِّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا سَرِيرٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ مِنْهَا قُبَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ، مُفَرَّغَةٌ فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا فُرُشٌ مِنْ فُرُشِ الْجَنَّةِ، مُتَظَاهِرَةً فِي كُلِّ قُبَّةٍ مِنْهَا جَارِيَتَانِ مِنَ الْحَوَرِ الْعَيْنِ، عَلَى كُلِّ جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ ثَوْبَانِ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لون إلا وهو فيهما، ولا ريح ولا طيب إلا قد عبق بهما، يَنْفُذُ ضَوْءُ وُجُوهِهِمَا غِلَظَ الْقُبَّةِ حَتَّى يَظُنَّ مَنْ يَرَاهُمَا أَنَّهُمَا دُونَ الْقُبَّةِ، يَرَى مُخَّهُمَا مِنْ فَوْقِ سُوقِهِمَا كَالسِّلْكِ الْأَبْيَضِ فِي يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يُرَيَانِ لَهُ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى صَاحِبَتِهِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الْحِجَارَةِ أَوْ أَفْضَلَ، وَيُرَى هُوَ لَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَدْخُلُ إِلَيْهِمَا فَيُحْيِّيَانِهِ، ويقبلانه، ويتعلقان بِهِ، وَيَقُولَانِ لَهُ: وَاللَّهِ مَا ظَنَنَّا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مِثْلَكَ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ فَيَسِيرُونَ بِهِمْ صَفًّا فِي الْجَنَّةِ حَتَّى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلة الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُ.

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَزَادَ: فَانْظُرُوا إِلَى مَوْهُوبِ رَبِّكُمُ الَّذِي وَهَبَ لَكُمْ، فَإِذَا هُوَ بِقِبَابٍ فِي الرَّفِيقِ الأعلى، وغرف مبنية من الدر والمرجان، أبوابها مَنْ ذَهَبٍ، وَسُرُرُهَا مِنْ يَاقُوتٍ، وَفُرُشُهَا مَنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وَمَنَابِرُهَا مِنْ نُورٍ يَفُورُ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَعِرَاصِهَا نُورٌ مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ عِنْدَهُ مِثْلَ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ فِي النَّهَارِ الْمُضِيءِ، وَإِذَا بِقُصُورٍ شَامِخَةٍ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مِنَ الْيَاقُوتِ يَزْهُو نُورُهَا، فَلَوْلَا أَنَّهُ مُسَخَّرٌ إذًا لَالْتَمَعَ الْأَبْصَارَ، فَمَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْحَرِيرِ الْأَبْيَضِ، وَمَا كان فيها مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْعَبْقَرِيِّ الْأَحْمَرِ، وما كان فيها مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَخْضَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالسُّنْدُسِ الْأَخْضَرِ، وما كان فيها مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْأُرْجُوَانِ الْأَصْفَرِ، مبوبة بِالزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ وَالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، قَوَائِمُهَا وَأَرْكَانُهَا مِنَ الْجَوْهَرِ، وَشُرَفُهَا قِبَابٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَبُرُوجُهَا غُرَفٌ مِنَ الْمَرْجَانِ.

فَلَمَّا انْصَرَفُوا إِلَى مَا أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ، قُرِّبَتْ لَهُمْ بِرَاذِينُ مِنْ يَاقُوتٍ أَبْيَضَ، مَنْفُوخٌ فِيهَا الرُّوحُ، تَجْنَبُهَا الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ بِيَدِ كُلِّ وَلِيدٍ مِنْهُمْ حَكَمَةُ «٢» بِرْذَوْنٍ مِنْ تِلْكَ الْبَرَاذِينِ، وَلُجُمُهَا وَأَعِنَّتُهَا مِنْ فِضَّةٍ بيضاء منظومة بالدر والياقوت، سروجها سرر موضونة «٣» مفروشة بالسندس والإستبرق، فانطلقت بهم تلك


(١) التصريد: تقليل العطاء.
(٢) الحكمة: ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه.
(٣) السرر الموضونة: أي المنسوجة بالدر والجواهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>