للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَذْكَرْ فِيهِ أَبُو الشَّمَالِ.

وَقَوْلُهُ: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ لَمْ يَكُنْ يَأْتِي قَوْمَهُ بِخَارِقٍ إِلَّا إِذَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِ بَلْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أَيْ لِكُلِّ مُدَّةٍ مَضْرُوبَةٍ، كِتَابٌ مَكْتُوبٌ بِهَا، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الْحَجِّ: ٧٠] وَكَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أَيْ لِكُلِّ كِتَابٍ أَجَلٌ، يَعْنِي لِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ عِنْدَ الله، ومقدار معين، فلهذا يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ مِنْهَا، وَيُثْبِتُ يَعْنِي حَتَّى نُسِخَتْ كُلُّهَا بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ «١» .

وقوله يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَوَكِيعٌ وهُشَيْمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُدَبِّرُ أمر السنة، فيمحو الله مَا يَشَاءُ إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وفي رواية يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ قَالَ: كُلَّ شَيْءٍ إلا الموت والحياة وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، فَإِنَّهُمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُمَا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرَانِ «٢» . وَقَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ فَأَثْبِتْهُ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُهُ عَنْهُمْ، وَاجْعَلْهُ فِي السُّعَدَاءِ؟

فَقَالَ: حَسَنٌ: ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ الآيتين، قَالَ: يَقْضِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، فَأَمَّا كتاب السعادة والشقاوة فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغَيَّرُ «٣» .

وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّهُ كَانَ كثيرا ما يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقِيَاءَ، فَامْحُهُ وَاكْتُبْنَا سُعَدَاءَ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاءَ فَأَثْبِتْنَا، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِي حَكِيمَةَ عِصْمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أَوْ ذَنْبًا فَامْحُهُ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة.


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٩٩.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٩٩.
(٣) انظر تفسير الطبري ٧/ ٤٠٠.
(٤) تفسير الطبري ٧/ ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>