للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابِ «١» .

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ يَقُولُ:

هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَانَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو، وَالَّذِي يُثْبِتُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ لَهُ خَيْرٌ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ أَنَّهَا بِمَعْنَى فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٤] . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ يَقُولُ: يُبَدِّلُ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدِّلُ وَمَا يُثْبِتُ كُلُّ ذَلِكَ في كتاب.

وقال قتادة في قوله: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ كَقَوْلِهِ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها الآية. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ قَالَ: قَالَتْ كُفَّارُ قريش لما نزلت وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ما نرى محمدا يملك شيئا وقد فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَخْوِيفًا وَوَعِيدًا لَهُمْ، إِنَّا إِنْ شِئْنَا أَحْدَثْنَا لَهُ مِنْ أَمْرِنَا مَا شِئْنَا، وَنُحْدِثُ فِي كُلِّ رمضان، فيمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم.

وقال الحسن البصري يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قال: من جاء أجله يذهب، وَيُثْبِتُ الَّذِي هُوَ حَيٌّ يَجْرِي إِلَى أَجْلِهِ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَوْلُهُ: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قَالَ: الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قَالَ: كِتَابٌ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ سُنَيدُ بْنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنِي مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يسار، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ، فَقَالَ: عِلْمُ اللَّهُ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا خَلْقُهُ عَامِلُونَ، ثُمَّ قَالَ لِعِلْمِهِ: كن كتابا فكان كتابا، وقال ابن جريج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ قَالَ: الذكر.

[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٤٠ الى ٤١]

وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١)

يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ يا محمد، بعض الذي نَعِدُ أَعْدَاءَكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ فِي الدُّنْيَا أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ أَيْ إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ لِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَةَ اللَّهِ، وقد فعلت مَا أُمِرْتَ بِهِ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ أَيْ حِسَابُهُمْ وجزاؤهم، كقوله تَعَالَى:

فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ [الْغَاشِيَةِ: ٢١- ٢٦] ، وَقَوْلُهُ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٤٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>