للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى تدر كما تدر اللقحة، وكذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة. وقال الضحاك:

يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء. وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، ثم تلا ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾.

وقد روى ابن جرير (١) من حديث عبيس بن ميمون عن أبي المهزم عن أبي هريرة، عن النبي قال: «الريح الجنوب من الجنة، وهي التي ذكر الله في كتابه، وفيها منافع للناس» وهذا إسناد ضعيف، وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده. حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرني يزيد بن جعدية الليثي أنه سمع عبد الرحمن بن مخراق يحدث عن أبي ذر، قال: قال رسول الله : «إن الله خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين، وإن من دونها بابا مغلقا، وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب، ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء، وهي عند الله الأزيب (٢)، وهي فيكم الجنوب».

وقوله: ﴿فَأَسْقَيْناكُمُوهُ﴾ أي أنزلناه لكم عذبا يمكنكم أن تشربوا منه لو نشاء جعلناه أجاجا، كما نبه على ذلك في الآية الأخرى في سورة الواقعة، وهو قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة: ٦٨]، وفي قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠]. وقوله: ﴿وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ﴾ قال سفيان الثوري: بما نعين، ويحتمل أن المراد وما أنتم له بحافظين، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معينا وينابيع في الأرض، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك، ليبقى لهم في طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.

وقوله: ﴿وَإِنّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾ إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم، ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع، وأخبر أنه تعالى يرث الأرض ومن عليها، وإليه يرجعون، ثم أخبر تعالى عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم، فقال:

﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ﴾ الآية، قال ابن عباس : المستقدمون كل من هلك من لدن آدم ، والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة، وروي نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم، وهو اختيار ابن جرير (٣) .


(١) تفسير الطبري ٧/ ٥٠٦، وفيه: عيسى بن ميمون بدل عبيس بن ميمون.
(٢) الأزيب: رياح الجنوب، وتسمى النكهاء تجري بينها وبين الصبا.
(٣) تفسير الطبري ٧/ ٥٠٧، ٥٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>