للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا صِنْفٌ آخَرُ مِمَّا خَلَقَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ يَمْتَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ الَّتِي جَعَلَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ بِهَا، وَذَلِكَ أَكْبَرُ الْمَقَاصِدِ مِنْهَا، وَلَمَّا فَصَلَهَا مِنَ الْأَنْعَامِ، وَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ، اسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَدَلَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ لُحُومِ الْخَيْلِ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِيهَا، كَالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ بأنه تَعَالَى قَرَنَهَا بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَهِيَ حَرَامٌ، كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيَّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ، أَنَّ ابْنَ عباس أنه كَانَ يَكْرَهُ لُحُومَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَكَانَ يقول: قال الله تعالى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ فَهَذِهِ لِلْأَكْلِ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها فَهَذِهِ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ، وقال مثل ذلك الحكم بن عتيبة أيضا رضي الله عنه.

وَاسْتَأْنَسُوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» فِي مَسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ «٣» . وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بن يحيى بن المقدام وفيه كلام.

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ «٤» أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَأَدَلَّ مِنْهُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ جَدِّهِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الصَّائِفَةَ «٥» ، فَقَرِمَ «٦» أَصْحَابُنَا إِلَى اللَّحْمِ فَسَأَلُونِي رَمَكَةً فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِمْ، فَحَبَلُوهَا وَقُلْتُ: مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَ خَالِدًا فَأَسْأَلَهُ فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ خَيْبَرَ فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِي حَظَائِرِ يَهُودَ فَأَمَرَنِي أَنْ أُنَادِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُسْلِمٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّكُمْ قَدْ أَسْرَعْتُمْ فِي حَظَائِرِ يَهُودَ، أَلَا لَا تَحِلُّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ لُحُومُ الْأُتُنِ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلِهَا وَبِغَالِهَا، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ من الطير» والرمكة هي الحجرة، وقوله


(١) تفسير الطبري ٧/ ٥٦٣.
(٢) المسند ٤/ ٨٩.
(٣) أخرجه أبو داود في الأطعمة باب ٢٥، والنسائي في الصيد باب ٣٠، وابن ماجة في الذبائح باب ١٤.
(٤) المسند ٣/ ٣٥٦، ٣٦٢.
(٥) الصائفة: الغزوة في الصيف.
(٦) قرم: شدة الشهوة إلى اللحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>