للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُتَمَسِّكِينَ بِهِ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ حَوَّلَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْأَحَدِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْ بَعْضِ أَحْكَامِهَا، وَإِنَّهُ لِمْ يَزَلْ مُحَافِظًا عَلَى السَّبْتِ حَتَّى رُفِعَ، وَإِنَّ النَّصَارَى بَعْدَهُ فِي زَمَنِ قُسْطَنْطِينَ هُمُ الَّذِينَ تَحَوَّلُوا إِلَى يَوْمِ الْأَحَدِ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ، وَتَحَوَّلُوا إِلَى الصَّلَاةِ شَرْقًا عَنِ الصَّخْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ:

الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» «١» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتَ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ قبل الخلائق» «٢» رواه مسلم.

[[سورة النحل (١٦) : آية ١٢٥]]

ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ الْخَلْقَ إِلَى اللَّهِ بِالْحِكْمَةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» :

وَهُوَ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، أَيْ بِمَا فِيهِ مِنَ الزَّوَاجِرِ وَالْوَقَائِعِ بِالنَّاسِ، ذَكَّرَهُمْ بِهَا لِيَحْذَرُوا بَأْسَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيْ مَنِ احْتَاجَ مِنْهُمْ إِلَى مُنَاظَرَةٍ وَجِدَالٍ فَلْيَكُنْ بِالْوَجْهِ الْحَسَنِ برفق ولين وحسن خطاب، كقوله تعالى:

وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: ٤٦] الآية، فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حِينَ بَعَثَهُمَا إِلَى فرعون في قوله: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: ٤٤] .

وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الآية، أَيْ قَدْ عَلِمَ الشَّقِيَّ مِنْهُمْ وَالسَّعِيدَ، وَكَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَفَرَغَ مِنْهُ، فَادْعُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَى مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ حَسَرَاتٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: ٥٦] ، لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة: ٢٧٢] .


(١) أخرجه البخاري في الأيمان باب ١، ومسلم في الجمعة حديث ١٩، ٢١.
(٢) أخرجه مسلم في الجمعة حديث ٢٢.
(٣) تفسير الطبري ٧/ ٦٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>