للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذ بيدي فأخرجني، فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق الحمار، فحملني عليها ثم انطلق حتى أتى بي إلى بيت المقدس، فأراني إبراهيم يشبه خلقه خلقي ويشبه خلقي خلقه، وأراني موسى آدم طويلا سبط الشعر، شبهته برجال أزد شنوءة، وأراني عيسى ابن مريم ربعة أبيض يضرب إلى الحمرة، شبهته بعروة بن مسعود الثقفي، وأراني الدجال ممسوح العين اليمنى، شبهته بقطن بن عبد العزى-قال-وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم بما رأيت» فأخذت بثوبه فقلت: إني أذكرك الله إنك تأتي قومك يكذبوك وينكرون مقالتك، فأخاف أن يسطوا بك، قالت: فضرب ثوبه من يدي ثم خرج إليهم، فأتاهم وهم جلوس فأخبرهم ما أخبرني.

فقام جبير بن مطعم فقال يا محمد لو كنت شابا كما كنت ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا. فقال رجل من القوم: يا محمد هل مررت بإبل لنا في مكان كذا كذا؟ قال: «نعم والله قد وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه» قال: هل مررت بإبل لبني فلان؟ قال: نعم «وجدتهم في مكان كذا وكذا وقد انكسرت لهم ناقة حمراء، وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها» قالوا: فأخبرنا عدتها، من الرعاة؟ قال «قد كنت عن عدتها مشغولا» فنام فأوتي بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاة، ثم أتى قريشا فقال لهم «سألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاة فلان وفلان، وسألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاة ابن أبي قحافة وفلان وفلان، وهي تصبحكم بالغداة على الثنية».

قال: فقعدوا على الثنية ينظرون أصدقهم ما قال، فاستقبلوا الإبل فسألوهم: هل ضل لكم بعير؟ فقالوا: نعم، فسألوا الآخر، هل انكسرت لكم ناقة حمراء؟ قالوا: نعم، قالوا: فهل كانت عندكم قصعة؟ قال أبو بكر: أنا والله وضعتها فما شربها أحد ولا أهرقوه في الأرض، فصدقه أبو بكر وآمن به، فسمي يومئذ الصديق.

[فصل] وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها، فحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله من مكة إلى بيت المقدس وأنه مرة واحدة، وإن اختلفت عبارات الرواة في أدائه، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه، فإن الخطأ جائز على من عدا الأنبياء ، ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد وأغرب، وهرب إلى غير مهرب، ولم يتحصل على مطلب.

وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه أسري به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط، ومرة من مكة إلى السماء فقط، ومرة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء، وفرح بهذا المسلك، وأنه قد ظفر بشيء يخلص به من الإشكالات، وهذا بعيد جدا، ولم ينقل هذا عن أحد من السلف ولو تعدد هذا التعدد، لأخبر النبي به أمته، ولنقله الناس على التعدد والتكرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>