للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي سألوا فإن كفروا هلكوا، كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم. وقال «لا، بل استأن بهم» وأنزل الله تعالى: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ الآية، ورواه النسائي وابن جرير به.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران بن حكيم، عن ابن عباس، قال: قالت قريش للنبي : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك. قال «وتفعلون؟» قالوا: نعم. قال: فدعا فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين»، وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة، فقال: «بل باب التوبة والرحمة».

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي الأنصاري، حدثنا خلف بن تميم المصيصي عن عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن عبد الله بن عطاء بن إبراهيم عن جدته أم عطاء مولاة الزبير بن العوام قالت: سمعت الزبير يقول لما نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] صاح رسول الله على أبي قبيس «يا آل عبد مناف إني نذير» فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم، فقالوا: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وإن سليمان سخر له الريح والجبال، وإن موسى سخر له البحر، وإن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا، فنتخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلا فادع الله أن يحيي لنا موتانا لنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع الله أن يصيّر لنا هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم.

وقال: فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سرّي عنه، قال: «والذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة، فلا يؤمن منكم أحد، فاخترت باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أن يعذبكم عذابا لا يعذبه أحد من العالمين» ونزلت ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ وقرأ ثلاث آيات ونزلت ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى﴾ [الرعد: ٣١] الآية.

ولهذا قال تعالى: ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ﴾ أي نبعث الآيات ونأتي بها على ما سأل قومك منك فإنه سهل علينا يسير لدينا إلا أنه قد كذب بها الأولون بعد ما سألوها، وجرت سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إن كذبوا بها بعد نزولها، كما قال الله تعالى في المائدة


(١) المسند ١/ ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>