للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ أَيْ لَا تُسْمِعْهُمَا قَوْلًا سَيِّئًا حَتَّى وَلَا التَّأْفِيفَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقَوْلِ السَّيِّئِ وَلا تَنْهَرْهُما أَيْ وَلَا يَصْدُرْ مِنْكَ إِلَيْهِمَا فِعْلٌ قَبِيحٌ، كما قال عطاء بن رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ وَلا تَنْهَرْهُما أَيْ لَا تنفض يدك عليهما «١» ، وَلَمَّا نَهَاهُ عَنِ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ وَالْفِعْلِ الْقَبِيحِ، أمره بالقول وَالْفِعْلِ الْحَسَنِ، فَقَالَ: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً أَيْ لَيِّنًا طَيِّبًا حَسَنًا بِتَأَدُّبٍ وَتَوْقِيرٍ وَتَعْظِيمٍ، وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ أَيْ تواضع لهما بفعلك وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً أي في كبرهما وعند وفاتهما، قال ابن عباس: ثم أنزل الله مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة:

١١٣] الآية «٢» .

وَقَدْ جَاءَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ وغيره أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَعِدَ الْمِنْبَرَ قال: «آمين آمين آمين» قيل يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَامَ أَمَّنْتَ؟ قَالَ: «أَتَانِي جبريل فقال: يا محمد رَغِمَ أَنْفُ رِجْلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عليك، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ آمِينَ، ثُمَّ قَالَ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ ثُمَّ خرج فلم يُغْفَرْ لَهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ آمِينَ، ثُمَّ قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ آمِينَ» «٣» .

[حَدِيثٌ آخَرُ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عن رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ ضم يتيما من أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ، وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، كَانَ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يُجْزَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ» ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ أَوِ ابْنُ مَالِكٍ، وَزَادَ «وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ» .

[حَدِيثٌ آخَرُ] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عن زرارة بن أبي أَوْفَى عَنْ مَالِكِ بْنِ عَمْرٍو الْقُشَيْرِيِّ، سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النار، فإن كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ مُحَرَّرَةٌ بِعَظْمٍ مِنْ عِظَامِهِ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ ضم يتيما من أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يُغْنِيَهُ الله وجبت له الجنة» .


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٦٠.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ٦٣.
(٣) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ١٠٠، وأحمد في المسند ٢/ ٢٥٤، ٣٤٦.
(٤) المسند ٤/ ٣٤٤، ٥/ ٢٩.
(٥) المسند ٤/ ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>