للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقوا، قياما لا تكلم نفس إلا بإذنه، ينادي: يا محمد، فيقول: «لبيك وسعديك، والخير في يديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ومنك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت» فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله ﷿ (١).

ثم رواه عن بندار، عن غندر عن شعبة، عن أبي إسحاق به، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر والثوري، عن أبي إسحاق به، وقال ابن عباس: هذا المقام المحمود مقام الشفاعة، وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقال الحسن البصري.

وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى: ﴿عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ قلت لرسول الله تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، فهو أول من تنشق عنه الأرض ويبعث راكبا إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعد ما تسأل الناس آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فكل يقول: لست لها، حتى يأتوا إلى محمد فيقول «أنا لها أنا لها» كما سنذكر ذلك مفصلا في هذا الموضع إن شاء الله تعالى. ومن ذلك أنه يشفع في أقوام قد أمر بهم إلى النار فيردون عنها، وهو أول الأنبياء يقضي بين أمته، وأولهم إجازة على الصراط بأمته، وهو أول شفيع في الجنة كما ثبت في صحيح مسلم.

وفي حديث الصور أن المؤمنين كلهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته، وهو أول داخل إليها، وأمته قبل الأمم كلهم، ويشفع في رفع درجات أقوام لا تبلغها أعمالهم وهو صاحب الوسيلة التي هي أعلى منزلة في الجنة لا تليق إلا له، وإذا أذن الله تعالى في الشفاعة للعصاة، شفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيشفع هو في خلائق لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى، ولا يشفع أحد مثله ولا يساويه في ذلك، وقد بسطت ذلك مستقصى في آخر كتاب السيرة في باب الخصائص، ولله الحمد والمنة.

ولنذكر الآن الأحاديث الواردة في المقام المحمود وبالله المستعان. قال البخاري (٢):

حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص عن آدم بن علي، سمعت ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا. ورواه حمزة بن عبد الله عن أبيه،


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٣١.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ١٧، باب ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>