للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ «١» وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَهَكَذَا فَسَّرَ ذَلِكَ بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَمَسْرُوقٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ الْإِسْرَاءِ في أول السورة مستوفاة وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ نَاسًا رَجَعُوا عن دينهم بعد ما كَانُوا عَلَى الْحَقِّ، لِأَنَّهُ لَمْ تَحْمِلْ قُلُوبُهُمْ وَعُقُولُهُمْ ذَلِكَ، فَكَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ ثَبَاتًا وَيَقِينًا لِآخَرِينَ، وَلِهَذَا قَالَ إِلَّا فِتْنَةً أَيْ اخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، كَمَا أَخْبَرَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَرَأَى شَجَرَةَ الزَّقُّومِ فَكَذَّبُوا بذلك حتى قال أبو جهل عليه لعائن الله: هاتوا لنا تمرا وزبدا، وجعل يأكل من هَذَا بِهَذَا، وَيَقُولُ: تَزَقَّمُوا فَلَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ غَيْرَ هَذَا «٢» ، حَكَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٌ وَأَبُو مَالِكٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، فَسَّرَهُ كَذَلِكَ بشجرة الزقوم. وقيل: الْمُرَادُ بِالشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ بَنُو أُمَيَّةَ، وَهُوَ غَرِيبٌ ضعيف.

وقال ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي فُلَانٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقُرُودِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ الْآيَةَ، وَهَذَا السَّنَدُ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ مَتْرُوكٌ، وَشَيْخَهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، قَالَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَيْ فِي الرُّؤْيَا وَالشَّجَرَةِ، وَقَوْلُهُ: وَنُخَوِّفُهُمْ أَيْ الْكَفَّارَ بِالْوَعِيدِ وَالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً أَيْ تَمَادِيًا فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ والضلال، وذلك من خذلان الله لهم.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٢]

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢)

يذكر تبارك وتعالى عداوة إبليس لعنه الله وَذُرِّيَّتِهِ وَأَنَّهَا عَدَاوَةٌ قَدِيمَةٌ مُنْذُ خُلِقَ آدَمُ فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم فَسَجَدُوا كُلُّهُمْ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ افْتِخَارًا عَلَيْهِ وَاحْتِقَارًا لَهُ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً كَمَا قَالَ فِي الآية الأخرى


(١) المسند ١/ ٢٢١، ٣٧٠.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٣٧٤.
(٣) تفسير الطبري ٨/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>