للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربه الذي خلقه، وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، كما قال تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨] الآية، أي كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية، كل أحد يعلمها من نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوما، ثم وجد وليس وجوده من نفسه ولا مستندا إلى شيء من المخلوقات، لأنه بمثابته، فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء، ولهذا قال المؤمن ﴿لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي﴾ أي لكن أنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية، ﴿وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾ أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.

ثم قال: ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً﴾ هذا تحضيض وحث على ذلك، أي هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها، حمدت الله ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده، فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع، أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا جراح بن مخلد، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عيسى بن عون، حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس قال: قال رسول الله : «ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد، فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فيرى فيه آفة دون الموت» وكان يتأول هذه الآية ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ﴾ قال الحافظ أبو الفتح الأزدي: عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة وحجاج، حدثني شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم، عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا قوة إلا بالله» تفرد به أحمد. وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله قال: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢).

وقال الإمام أحمد (٣): حدثنا بكر بن عيسى، حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: قال أبو هريرة: قال لي رسول الله : «يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟» قال: قلت نعم فداك أبي وأمي. قال: «أن تقول لا قوة إلا بالله» قال أبو بلج: وأحسب أنه قال فإن الله يقول أسلم عبدي واستسلم» قال فقلت لعمرو: قال أبو بلج:

قال عمرو: قلت لأبي هريرة لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: لا إنها في سورة الكهف ﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ﴾.


(١) المسند ٢/ ٤٦٩.
(٢) أخرجه البخاري في الدعوات باب ٥١، ومسلم في الذكر حديث ٤٤، ٤٥، ٤٦.
(٣) المسند ٢/ ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>