للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف ﴿وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما﴾ قال: كان لوحا من ذهب مصمت، مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجب لمن عرف النار ثم ضحك، عجب لمن أيقن بالقدر ثم نصب، عجب لمن أيقن بالموت ثم أمن، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وحدثني أحمد بن حازم الغفاري، حدثتنا هنادة بنت مالك الشيبانية قالت سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله تعالى: ﴿وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما﴾ قال سطران ونصف لم يتم الثالث: عجبت للمؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت للمؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت للمؤمن بالموت كيف يفرح. وقد قال الله ﴿وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] قالت: وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاح، وكانت بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء، وكان نساجا، وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة وورد به الحديث المتقدم، وإن صح لا ينافي قول عكرمة أنه كان مالا، لأنهم ذكروا أنه كان لوحا من ذهب، وفيه مال جزيل أكثر ما زادوا أنه كان مودعا فيه علم، وهو حكم ومواعظ، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً﴾ فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة، لتقر عينه بهم، كما جاء في القرآن ووردت به السنة. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحا، وتقدم أنه كان الأب السابق، فالله أعلم. وقوله:

﴿فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما﴾ هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى، لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله، وقال في الغلام ﴿فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً﴾ وقال في السفينة ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها﴾ فالله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أي هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام وولدي الرجل الصالح، وما فعلته عن أمري أي لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر مع ما تقدم من قوله: ﴿فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً﴾ وقال آخرون: كان رسولا. وقيل: بل كان ملكا، نقله الماوردي في تفسيره، وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبيا، بل كان وليا، فالله أعلم.

وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، قالوا: وكان يكنى أبا العباس، ويلقب بالخضر، وكان من أبناء الملوك، ذكره النووي في تهذيب الأسماء، وحكى هو وغيره في كونه باقيا إلى الآن، ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكايات وآثارا

<<  <  ج: ص:  >  >>