للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون. فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا، فاقتتلوا وظهروا على المسلمين، وذلك قول الله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ﴾ قال قتادة: وهم الذين قال الله:

﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ قال اختلفوا فيه فصاروا أحزابا (١).

وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعن عروة بن الزبير وعن بعض أهل العلم قريبا من ذلك، وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا، فاختلفوا في عيسى ابن مريم اختلافا متباينا جدا، فقالت كل شرذمة فيه قولا، فمائة تقول فيه شيئا، وسبعون تقول فيه قولا آخر، وخمسون تقول شيئا آخر ومائة وستون تقول شيئا، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة، وثمانية منهم اتفقوا على قول وصمموا عليه، فمال إليهم الملك وكان فيلسوفا فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم، فوضعوا له الأمانة الكبيرة بل هي الخيانة العظيمة، ووضعوا له كتب القوانين وشرعوا له أشياء، وابتدعوا بدعا كثيرة، وحرفوا دين المسيح وغيروه، فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة والروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة، وبنت أمه هيلانة قمامة (٢) على المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي يزعم اليهود والنصارى أنه المسيح، وقد كذبوا بل رفعه الله إلى السماء.

وقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله وافترى وزعم أن له ولدا، ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة، وأجلهم حلما وثقة بقدرته عليهم، فإنه الذي لا يعجل على من عصاه، كما جاء في الصحيحين «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول الله : ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (٣) [هود: ١٠٢]. وفي الصحيحين أيضا عن رسول الله أنه قال: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم» (٤) وقد قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٤٨] وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢] ولهذا قال هاهنا: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي يوم القيامة. وقد


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٣٤١.
(٢) القمامة: الدير.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٥، ومسلم في البر حديث ٦٢، والترمذي في تفسير سورة ١١، باب ٢، وابن ماجة في الفتن باب ٢٢.
(٤) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٣، والأدب باب ٧١، ومسلم في المنافقين حديث ٤٩، وأحمد في المسند ٤/ ٤٠١، ٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>