للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصابعه على القبضة، فلما ذهب موسى للميقات.

وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلي آل فرعون، فقال لهم السامري: إنما أصابكم من أجل هذا الحلي، فاجمعوه فجمعوه، فأوقدوا عليه فذاب، فرآه السامري فألقي في روعه أنك لو قذفت هذه القبضة في هذه فقلت كن فيكون، فقذف القبضة وقال كن فكان عجلا جسدا له خوار، فقال: ﴿هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى﴾ ولهذا قال ﴿فَنَبَذْتُها﴾ أي ألقيتها مع من ألقى ﴿وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ أي حسنته وأعجبها، إذا ذاك ﴿قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ﴾ أي كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، أي لا تماس الناس ولا يمسونك ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً﴾ أي يوم القيامة ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ أي لا محيد لك عنه. وقال قتادة ﴿أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ﴾ قال: عقوبة لهم وبقاياهم اليوم يقولون لا مساس (١).

وقوله: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ قال الحسن وقتادة وأبو نهيك: لن تغيب عنه. وقوله:

﴿وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ﴾ أي معبودك ﴿الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً﴾ أي أقمت على عبادته يعني العجل ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ قال الضحاك عن ابن عباس والسدي: سحله بالمبارد وألقاه على النار. وقال قتادة: استحال العجل من الذهب لحما ودما، فحرقه بالنار، ثم القى رماده في البحر، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن رجاء، أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد وأبي عبد الرحمن عن علي قال:

إن موسى لما تعجل إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي نساء بني إسرائيل، ثم صوره عجلا، قال: فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد، فبرده بها وهو على شط نهر، فلم يشرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب، فقالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، وهكذا قال السدي، وقد تقدم في تفسير سورة البقرة، ثم في حديث الفتون بسط ذلك.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ يقول لهم موسى : ليس هذا إلهكم، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له، فإن كل شيء فقير إليه عبد له. وقوله: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ نصب على التمييز، أي هو عالم بكل شيء، ﴿أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق: ١٢]، و ﴿أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ [الجن: ٢٨]، فلا ﴿يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ﴾ [سبأ: ٣]، ﴿وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩]، ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦]، والآيات


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>