للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متماستين (١). وقال سعيد بن جبير: بل كانت السماء والأرض ملتزقتين، فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض، كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه. وقال الحسن وقتادة: كانتا جميعا ففصل بينهما بهذا الهواء.

وقوله: ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي أصل كل الأحياء. قال ابن أبي حاتم: حدثنا ابي، حدثنا أبو الجماهر، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة أنه قال: يا نبي الله إذا رأيتك قرت عيني وطابت نفسي، فأخبرنا عن كل شيء قال: «كل شيء خلق من ماء».

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا يزيد، حدثنا همام عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء، قال:

«كل شيء خلق من ماء» قال: قلت أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة قال: «أفش السلام، وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام» ورواه أيضا عن عبد الصمد وعفان وبهز عن همام، تفرد به أحمد، وهذا إسناد على شرط الصحيحين إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن واسمه سليم، والترمذي يصحح له، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ﴾ أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس، أي تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم قرار عليها لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع. فإنه باد للهواء والشمس ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات والحكم والدلالات، ولهذا قال: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ أي لئلا تميد بهم. وقوله: ﴿وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً﴾ أي ثغرا في الجبال يسلكون فيها طريقا من قطر إلى قطر ومن إقليم إلى إقليم، كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلا بين هذه البلاد وهذه البلاد، فيجعل الله فيه فجوة ثغرة ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا، ولهذا قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً﴾ أي على الأرض وهي كالقبة عليها، كما قال:

﴿وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: ٤٧] وقال: ﴿وَالسَّماءِ وَما بَناها﴾ [الشمس:٥] ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: ٦] والبناء هو نصب القبة، كما قال رسول الله «بني الإسلام على خمس» (٣) أي خمسة دعائم، وهذا لا يكون إلا في الخيام كما تعهده العرب ﴿مَحْفُوظاً﴾ أي عاليا محروسا أن ينال. وقال


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ١٩، ٢٠.
(٢) المسند ٢/ ٢٩٥.
(٣) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١، ٢، ومسلم في الإيمان حديث ١٩ - ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>