للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجل مال به الهوى فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة. فقال الحسن البصري: إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان والأنبياء حكما يرد قول هؤلاء الناس عن قولهم، قال الله تعالى: ﴿وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ﴾ فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود، ثم قال: -يعني الحسن-: إن الله اتخذ على الحكام ثلاثا: لا يشتروا به ثمنا قليلا، ولا يتبعوا فيه الهوى، ولا يخشوا فيه أحدا، ثم تلا ﴿يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ [ص: ٢٦] وقال: ﴿فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٤٤] وقال ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [المائدة: ٤٤].

قلت: أما الأنبياء ، فكلهم معصومون مؤيدون من الله ﷿، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف، وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجرا» (١) فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه إياس من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار، والله أعلم.

وفي السنن: «القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار، رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى خلافه فهو في النار» (٢)، وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد (٣) في مسنده حيث قال: حدثنا علي بن حفص، أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله : «بينما امرأتان معهما ابنان لهما، إذ جاء الذئب فأخذ أحد الابنين فتحاكمتا إلى داود، فقضى به الكبرى، فخرجتا فدعاهما سليمان فقال: هاتوا السكين أشقه بينكما:

فقالت الصغرى: يرحمك الله هو ابنها لا تشقه، فقضى به للصغرى» (٤) وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبوب عليه النسائي في كتاب القضاء: [باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق].

وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة سليمان من تاريخه من طريق الحسن بن سفيان عن صفوان بن صالح، عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكر قصة مطولة، ملخصها: أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل، راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم، فامتنعت على كل منهم، فاتفقوا فيما


(١) أخرجه البخاري في الاعتصام باب ٢١، ٢٢، ومسلم في الأقضية حديث ١٥.
(٢) أخرجه أبو داود في الأقضية باب ٢، وابن ماجة في الأحكام باب ٣.
(٣) المسند ٢/ ٣٢٢، ٣٤٠.
(٤) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٤٠، ومسلم في الأقضية حديث ٢٠، والنسائي في القضاة باب ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>