للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسعود-حوتا يشق البحار حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحما ولا تهشم له عظما، فإن يونس ليس لك رزقا وإنما بطنك تكون له سجنا.

وقوله: ﴿وَذَا النُّونِ﴾ يعني الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة. وقوله: ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً﴾ قال الضحاك لقومه: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي نضيق عليه في بطن الحوت، يروى نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيرهم، واختاره ابن جرير واستشهد عليه بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ [الطلاق: ٧] وقال عطية العوفي: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾، أي نقضي عليه، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدر وقدّر بمعنى واحد، وقال الشاعر: [الطويل] فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى … تبارك ما تقدر يكن فلك الأمر

ومنه قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: ١٢] أي قدر. ﴿فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل، وكذا روي عن ابن عباس وعمرو بن ميمون وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وقتادة. وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمة حوت في بطن حوت آخر في ظلمة البحر، قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك وهنالك قال: ﴿لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ وقال عوف الأعرابي: لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات، ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع لم يبلغه أحد من الناس. وقال سعيد بن أبي الحسن البصري: مكث في بطن الحوت أربعين يوما. رواهما ابن جرير (١).

وقال محمد بن إسحاق بن يسار عمن حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : «لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر، قال: وسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة، قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، قال:

فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل، كما قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ رواه


(١) تفسير الطبري ٩/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>