أصيب رجل فسأل بذلك العهد خلي عنه، فزاد الناس السجع والسحر، فقالوا: هذا يعمل به سليمان بن داود ﵉، فقال الله تعالى: ﴿وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ﴾.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد حدثنا آدم حدثنا المسعودي عن زياد مولى ابن مصعب عن الحسن ﴿وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ﴾ قال: ثلث الشعر وثلث السحر وثلث الكهانة، وقال: حدثنا الحسن بن أحمد حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور عن الحسن ﴿وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ﴾ وتبعته اليهود على ملكه وكان السحر قبل ذلك في الأرض لم يزل بها، ولكنه إنما اتبع على ملك سليمان. فهذه نبذة من أقوال أئمة السلف في هذا المقام، ولا يخفى ملخص القصة والجمع بين أطرافها وأنه لا تعارض بين السياقات على اللبيب الفهم، والله الهادي.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ﴾ أي واتبعت اليهود الذين أوتوا الكتاب من بعد إعراضهم عن كتاب الله الذي بأيديهم، ومخالفتهم لرسول الله محمد ﷺ ما تتلوه الشياطين، أي ما ترويه وتخبر به وتحدثه الشياطين على ملك سليمان، وعداه بعلى لأنه ضمن تتلو: تكذب، وقال ابن جرير «على» هاهنا بمعنى في، أي تتلوا في ملك سليمان، ونقله عن ابن جريج وابن إسحاق.
(قلت) والتضمين أحسن وأولى، والله أعلم. وقول الحسن البصري ﵀: وكان السحر قبل زمان سليمان بن داود-صحيح لا شك فيه، لأن السحرة كانوا في زمان موسى ﵇ وسليمان بن داود بعده، كما قال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى﴾ [البقرة: ٢٤٦]، ثم ذكر القصة بعدها وفيها ﴿وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ٢٥١] وقال قوم صالح وهم قبل إبراهيم الخليل ﵇ لنبيهم صالح إنما ﴿أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٣] أي المسحورين على المشهور.
وقوله تعالى ﴿وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ اختلف الناس في هذا المقام، فذهب بعضهم إلى أن «ما» نافية أعني التي في قوله: ﴿وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ قال القرطبي (١): ما نافية ومعطوف على قوله ﴿وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ﴾ ثم قال ﴿وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله وجعل قوله ﴿هارُوتَ وَمارُوتَ﴾ بدلا من الشياطين، قال: وصح ذلك إما لأن الجمع يطلق على الاثنين كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] أو لكونهما