للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفزع، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله، ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: ﴿وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ﴾ فتسير الجبال فتكون سرابا، وترج الأرض بأهلها رجا، وهي التي يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح فيمتد الناس على ظهرها.

فتذهل المراضع وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب في وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا، وهي التي يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ﴾ [غافر: ٣٢ - ٣٣] فبينما هم على ذلك إذا انصدعت الأرض من قطر إلى قطر، ورأوا أمرا عظيما، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به. ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم خسف شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم-قال رسول الله : «والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك» قال أبو هريرة: فمن استثنى الله حين يقول ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ﴾ [النمل: ٨٧] قال «أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه، وهو الذي يقول الله: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾».

وهذا الحديث قد رواه الطبراني وابن جرير (١) وابن أبي حاتم وغير واحد مطولا جدا، والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة أضيفت إلى الساعة لقربها منها، كما يقال أشراط الساعة ونحو ذلك، والله أعلم، وقال آخرون بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال كائن يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور، واختار ذلك ابن جرير، واحتجوا بأحاديث:

[الأول] قال الإمام أحمد (٢): حدثنا يحيى عن هشام، حدثنا قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير (٣) رفع بهاتين الآيتين صوته. ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾ فلما سمع أصحابه بذلك حثوا


(١) تفسير الطبري ٩/ ١٠٥.
(٢) المسند ٤/ ٤٣٥.
(٣) تفاوت بين أصحابه السير: أي بعدوا عن بعضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>