للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة، قال: فتخلق فتعيش في أجلها وتأكل رزقها وتطأ أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك المكان، ثم تلا عامر الشعبي ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة، وإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما، وإن كانت مخلقة نكست في الخلق.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي قال: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين يوما أو خمس وأربعين، فيقول: أي رب أشقي أم سعيد؟ فيقول الله ويكتبان، فيقول: أذكر أم أنثى؟ فيقول الله ويكتبان، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله، ثم تطوى الصحف فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص» (١) ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ومن طريق آخر عن أبي الطفيل بنحو معناه.

وقوله: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي ضعيفا في بدنه وسمعه وبصره وبطشه وعقله، ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا، ويلطف به ويحنن عليه والديه في آناء الليل وأطراف النهار، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ أي يتكامل القوي ويتزايد، ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المظهر، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّى﴾ أي في حال شبابه وقواه، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر، ولهذا قال: ﴿لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ كما قال تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: ٥٤].

وقد قال الحافظ أبو يعلى بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد الزيات، حدثني داود أبو سليمان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري عن أنس بن مالك رفع الحديث قال: «المولود حتى يبلغ الحنث (٢) ما عمل من حسنة كتبت لوالده أو لوالدته، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث أجرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله من البلايا الثلاث: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين، خفف الله حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب. فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء. فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفعه في أهل بيته، وكتب أمين الله وكان أسير الله في أرضه، فإذا


(١) أخرجه مسلم في القدر حديث ٢، وأحمد في المسند ٤/ ٧.
(٢) يبلغ الحنث: أي يبلغ مبلغ الرجال.

<<  <  ج: ص:  >  >>