للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ: ٣٠] قَالُوا: رَبَّنَا نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ:

هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى نُهْبِطَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ فَنَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلَانِ، قالوا: ربنا هَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ، وَمُثِّلَتْ لَهُمَا الزُّهَرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، فَجَاءَتْهُمَا فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَتَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الْإِشْرَاكِ، فَقَالَا: وَاللَّهِ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَقْتُلَا هَذَا الصَّبِيَّ، فَقَالَا: لَا وَاللَّهِ لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ، فَشَرِبَا فَسَكِرَا فَوَقْعَا عَلَيْهَا وَقَتَلَا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُمَا شَيْئًا أَبَيْتُمَاهُ عَلِيَّ إِلَّا قَدْ فَعَلْتُمَاهُ حِينَ سَكِرْتُمَا، فَخُيِّرَا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا» .

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عن الحسن بن سُفْيَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ- بِهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا مُوسَى بْنَ جُبَيْرٍ هَذَا وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدِينِيُّ الْحَذَّاءُ، رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَنَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَرَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَلَمْ يحك فيه شيئا من هَذَا فَهُوَ مَسْتُورُ الْحَالِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ لَهُ مُتَابِعٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَرْجِسَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «١» رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا القاسم، أخبرنا الْحُسَيْنُ وَهُوَ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ، أخبرنا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: يَا نَافِعُ انْظُرْ طَلَعَتِ الْحَمْرَاءُ؟ قُلْتُ: لَا، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ طَلَعَتْ، قَالَ: لَا مَرْحَبًا بِهَا وَلَا أَهْلًا، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ نَجْمٌ مُسَخَّرٌ سَامِعٌ مُطِيعٌ، قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وقال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ يَا رَبِّ كَيْفَ صَبْرُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ؟ قَالَ: إِنِّي ابْتَلَيْتُهُمْ وَعَافِيَتُكُمْ، قَالُوا: لَوْ كُنَّا مَكَانَهُمْ مَا عَصَيْنَاكَ، قَالَ: فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْكُمْ، قَالَ: فَلَمْ يَأْلُوا جُهْدًا أَنْ يَخْتَارُوا فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ» وَهَذَانِ أَيْضًا غَرِيبَانِ جِدًّا. وَأَقْرَبُ ما يكون في هذا أنه من رواية


(١) الطبري ١/ ٥٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>