وعصوا، دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال ربنا لا تمهلهم، فأوحى الله إلى الملائكة إني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ولو نزلتم لفعلتم أيضا. قال: فحدثوا أنفسهم ان لو ابتلوا اعتصموا، فأوحى الله إليهم أن اختاروا ملكين من أفضلكم، فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يسمونها بيذخت، قال: فوقعا بالخطيئة، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، فلما وقعا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا.
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقى أخبرنا عبيد الله يعني ابن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو ويونس بن خباب عن مجاهد، قال: كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر هل طلعت الحمراء لا مرحبا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي صاحبة الملكين، قالت الملائكة: يا رب، كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك ويفسدون في الأرض؟ قال إني ابتليتهم فلعل إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون، قالوا: لا، قال: فاختاروا من خياركم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت، فقال لهما: إني مهبطكما إلى الأرض وعاهد إليكما أن لا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا، فأهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشهوة، وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة، فتعرضت لهما فراوداها عن نفسها، فقالت: إني على دين لا يصح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله، قالا: وما دينك؟ قالت المجوسية، قالا: الشرك هذا شيء لا نقر به، فمكثت عنهما ما شاء الله تعالى، ثم تعرضت لهما فراوداها عن نفسها، فقالت:
ما شئتما غير أن لي زوجا وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح، فإن أقررتما لي بديني وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت، فأقرا لهما بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء، فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين يبكيان وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا: لو أتينا فلانا فسألناه فطلب لنا التوبة، فأتياه فقال: رحمكما الله كيف يطلب التوبة أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا:
إنا قد ابتلينا، قال ائتياني يوم الجمعة فأتياه، فقال: ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية فأتياه، فقال: اختارا فقد خيرتما إن اخترتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله، فقال أحدهما: إن الدنيا لم يمض منه إلا القليل.
وقال الآخر: ويحك إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى. فقال: إننا يوم القيامة على حكم الله فأخاف أن يعذبنا، قال: لا. إني أرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة أن لا يجمعها علينا، قال: فاختارا عذاب الدنيا فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار عليهما سافلهما-وهذا إسناد جيد إلى