للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فعرفت أنه سيكون قتال.

وقال الإمام أحمد (١) عن إسحاق بن يوسف الأزرق به، وزاد: قال ابن عباس وهي أول آية نزلت في القتال (٢). ورواه الترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما وابن أبي حاتم من حديث إسحاق بن يوسف، زاد الترمذي ووكيع كلاهما عن سفيان الثوري به. وقال الترمذي: حديث حسن، وقد رواه غير واحد عن الثوري وليس فيه ابن عباس.

وقوله: ﴿وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، كما قال: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ﴾ [محمد: ٤ - ٦] وقال تعالى: ﴿قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٤ - ١٥] وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٦] وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] وقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١] والآيات في هذا كثيرة.

ولهذا قال ابن عباس في قوله: ﴿وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا فلو أمر المسلمين وهم أقل من العشر بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله . وكانوا نيفا وثمانين، قالوا: يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله : «إني لم أومر بهذا» فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي من بين أظهرهم وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شذر مذر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة ووافاهم رسول الله واجتمعوا عليه، وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلا يلجئون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك، فقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾.

قال العوفي عن ابن عباس: أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق، يعني محمدا وأصحابه


(١) المسند ١/ ٢١٦.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٢٢، باب ٤، ٥، والنسائي في الجهاد باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>