للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَذَكَّرُونَ﴾ أنه لا تنبغي العبادة إلا للخالق الرزاق لا لغيره.

﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾؟ أي من هو خالق العالم العلوي بما فيه من الكواكب النيرات والملائكة الخاضعين له في سائر الإفطار منها والجهات، ومن هو رب العرش العظيم، يعني الذي هو سقف المخلوقات، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن رسول الله أنه قال: «شأن الله أعظم من ذلك إن عرشه على سمواته هكذا» وأشار بيده مثل القبة (١)، وفي الحديث الآخر «ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة» ولهذا قال بعض السلف: إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيرة خمسين ألف سنة، وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، وقال الضحاك عن ابن عباس: إنما سمي عرشا لارتفاعه.

وقال الأعمش عن كعب الأحبار: إن السموات والأرض في العرش كالقنديل المعلق بين السماء والأرض. وقال مجاهد: ما السموات والأرض في العرش إلا كحلقة في أرض فلاة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان الثوري عن عمار الدّهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: العرش لا يقدر قدره أحد، وفي رواية: إلا الله ﷿، وقال بعض السلف: العرش من ياقوتة حمراء، ولهذا قال هاهنا:

﴿وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ أي الكبير. وقال في آخر السورة ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ أي الحسن البهي، فقد جمع العرش بين العظمة في الاتساع والعلو والحسن الباهر، ولهذا قال من قال إنه من ياقوتة حمراء. وقال ابن مسعود: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور العرش من نور وجهه.

وقوله: ﴿سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أي إذا كنتم تعترفون بأنه رب السموات ورب العرش العظيم، أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه في عبادتكم معه غيره وإشراككم به. قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي في كتاب التفكر والاعتبار: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن جعفر، أخبرني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله كثيرا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل معها ابن لها يرعى غنما، فقال لها ابنها:

يا أمه من خلقك؟ قالت: الله. قال فمن خلق أبي. قالت: الله. قال: فمن خلقني؟ قالت: الله. قال: فمن خلق السموات؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: الله.

قال: فمن خلق الجبل؟ قالت: الله. قال: فمن خلق هذه الغنم؟ قالت: الله. قال: فإني أسمع لله شأنا ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع. قال ابن عمر: كان رسول الله كثيرا ما يحدثنا


(١) أخرجه أبو داود في السنة باب ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>