للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ١٦]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ ابْتِدَاءِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، وَهُوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنِ ابْنِ عباس مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ قال: من صَفْوَةُ الْمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ سُلَالَةٍ أَيْ من مني آدم. وقال ابن جرير «١» : إنما سُمِّيَ آدَمُ طِينًا لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْهُ وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتُلَّ آدَمُ مِنَ الطِّينِ وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى وَأَقْرَبُ إِلَى السِّيَاقِ، فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُلِقَ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ «٢» ، وَهُوَ الصَّلْصَالُ مِنَ الْحَمَأِ الْمَسْنُونِ، وَذَلِكَ مَخْلُوقٌ مِنَ التُّرَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الرُّومِ: ٢٠] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا قَسَامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، جَاءَ منهم الأحمر والأبيض والأسود وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذَلِكَ» «٤» وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ بِهِ نَحْوَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:

حَسَنٌ صَحِيحٌ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً هَذَا الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى جِنْسِ الْإِنْسَانِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [السَّجْدَةِ: ٧- ٨] أَيْ ضَعِيفٍ، كَمَا قَالَ: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ يَعْنِي الرَّحِمُ مُعَدٌّ لِذَلِكَ مُهَيَّأٌ لَهُ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ [الْمُرْسَلَاتِ: ٢٠- ٢١] أَيْ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَجَلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى اسْتَحْكَمَ وَتَنَقَّلَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَصِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً أي ثم صبرنا النُّطْفَةَ، وَهِيَ الْمَاءُ الدَّافِقُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَهُوَ ظَهْرُهُ، وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة، فَصَارَتْ عَلَقَةً حَمْرَاءَ عَلَى شَكْلِ الْعَلَقَةِ مُسْتَطِيلَةً، قَالَ عِكْرِمَةُ: وَهِيَ دَمٌ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً وَهِيَ قِطْعَةٌ كَالْبَضْعَةِ مِنَ اللَّحْمِ لَا شَكْلَ فِيهَا وَلَا تَخْطِيطَ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً يَعْنِي شَكَّلْنَاهَا ذَاتَ رَأْسٍ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ بِعِظَامِهَا وَعَصَبِهَا وَعُرُوقِهَا.

وَقَرَأَ آخَرُونَ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ عَظْمُ الصُّلْبِ، وَفِي الصَّحِيحِ


(١) تفسير الطبري ٩/ ٢٠٢.
(٢) الطين اللازب: هو الطين اللاصق الصلب.
(٣) المسند ٤/ ٤٠٠، ٤٠٦.
(٤) أخرجه أبو داود في السنة باب ١٦، والترمذي في تفسير سورة ٢، باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>