للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أموركم ﴿وَأَنَّ اللهَ تَوّابٌ﴾ أي على عباده، وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه، وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.

فقال الإمام أحمد (١): حدثنا يزيد، أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال:

لما نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً﴾ قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله «يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟» فقالوا:

يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته.

-قال: فما لبثوا إلا يسيرا-حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء، فوجد عند أهله رجلا، فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح، فغدا على رسول الله فقال: يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله ما جاء به واشتد عليه، واجتمعت عليه الأنصار وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن، يضرب رسول الله هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به، والله يعلم إني لصادق. فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله الوحي، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه، يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي.

فنزلت: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ﴾ الآية، فسري عن رسول الله فقال «أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا» فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي ﷿، فقال رسول الله «أرسلوا إليها» فأرسلوا إليها فجاءت، فتلاها رسول الله عليهما، فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها، فقالت:

كذب.

فقال رسول الله «لاعنوا بينهما» فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب


(١) المسند ١/ ٢٣٨، ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>