دون المشرق ولكنها على رأس جبل أو في صحراء تصيبها الشمس النهار كله. وقيل المراد بقوله تعالى: ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ أنها في وسط الشجر ليست بادية للمشرق ولا للمغرب.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب في قول الله تعالى: ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال هي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت قال فكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن وقد ابتلي بها فيثبته الله فيها فهو بين أربع خلال، إن قال صدق، وإن حكم عدل، وإن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات، قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال هي وسط الشجر لا تصيبها شرقا ولا غربا، وقال عطية العوفي ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال هي شجرة في موضع من الشجر يرى ظل ثمرها في ورقها، وهذه من الشجر لا تطلع عليها الشمس ولا تغرب.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي، حدثنا عمرو بن أبي قيس عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﵄ في قوله تعالى:
﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ ليست شرقية ليس فيها غرب، ولا غربية ليس فيها شرق، ولكنها شرقية غربية، وقال محمد بن كعب القرظي ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال هي القبلية، وقال زيد بن أسلم ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال الشام، وقال الحسن البصري لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية، ولكنه مثل ضربه الله تعالى لنوره، وقال الضحاك «توقد من شجرة مباركة» قال رجل صالح ﴿زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ قال: لا يهودي ولا نصراني، وأولى هذه الأقوال القول الأول، وهو أنها في مستوى من الأرض في مكان فسيح باد ظاهر ضاح للشمس تفرعه من أول النهار إلى آخره ليكون ذلك أصفى لزيتها وألطف كما قال غير واحد ممن تقدم، ولهذا قال تعالى: ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾ قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني لضوء إشراق الزيت.
وقوله تعالى: ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ قال العوفي عن ابن عباس يعني بذلك إيمان العبد وعمله، وقال مجاهد والسدي: يعني نور النار ونور الزيت، وقال أبيّ بن كعب ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ فهو يتقلب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة. وقال شمر بن عطية: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال:
حدثني عن قول الله تعالى: ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾ قال: يكاد محمد ﷺ يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي، كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء. وقال السدي في قوله تعالى ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ﴾ قال: نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضيء واحد بغير صاحبه كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا، فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه.