للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحجرات: ٤ - ٥] الآية، فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته. والقول الثاني في ذلك أن المعنى في ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ اي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا، حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري وعطية العوفي، والله أعلم.

وقوله ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً﴾ قال مقاتل بن حيان: هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة، ويعني بالحديث الخطبة، فيلوذون ببعض أصحاب محمد حتى يخرجوا من المسجد، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي في يوم الجمعة بعد ما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بإصبعه إلى النبي فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل، لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي يخطب بطلت جمعته. وقال السدي: كانوا إذا كانوا معه في جماعة لاذ بعضهم ببعض حتى يتغيبوا عنه فلا يراهم، وقال قتادة في قوله ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً﴾ يعني لواذا عن نبي الله وعن كتابه. وقال سفيان ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً﴾ قال: من الصف، وقال مجاهد في الآية ﴿لِواذاً﴾ خلافا.

وقوله ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ أي عن أمر رسول الله وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله أنه قال «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (١) أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا وظاهرا. ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك. كما روى الإمام أحمد (٢): حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويقتحمن فيها -قال-فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار، فتغلبوني وتقتحمون فيها» (٣) أخرجاه من حديث عبد الرزاق.


(١) أخرجه البخاري في الاعتصام باب ٢٠، والبيوع باب ٦٠، والصلح باب ٥، ومسلم في الأقضية حديث ١٧، ١٨، وأبو داود في السنة باب ٥، وابن ماجة في المقدمة باب ٢. وأحمد في المسند ٦/ ١٤٦.
(٢) المسند ٢/ ٣١٢.
(٣) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٤٠، والرقاق باب ٢٦، ومسلم في الفضائل حديث ١٧، ١٨، ١٩، والترمذي في الأدب باب ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>