﴿إِلاّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ أي طريقا ومسلكا ومنهجا يقتدي فيها بما جئت به.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ أي في أمورك كلها كن متوكلا على الله الحي الذي. لا يموت أبدا، الذي هو ﴿الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣] الدائم الباقي السرمدي الأبدي الحي القيوم ورب كل شيء ومليكه اجعله ذخرك وملجأك، وهو الذي يتوكل عليه ويفزع إليه، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك، كما قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].
وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال:
قرأت على معقل يعني ابن عبيد الله، عن عبد الله بن أبي حسين عن شهر بن حوشب قال: لقي سلمان النبي ﷺ في بعض فجاج المدينة فسجد له، فقال «لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحي الذي لا يموت» وهذا مرسل حسن. وقوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ أي اقرن بين حمده وتسبيحه، ولهذا كان رسول الله ﷺ يقول «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك» أي أخلص له العبادة والتوكل، كما قال تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾ [المزمل: ٩] وقال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ٢٣] وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا﴾ [الملك: ٢٩].
وقوله تعالى: ﴿وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً﴾ أي بعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة. وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ الآية، أي هو الحي الذي لا يموت، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه، الذي خلق بقدرته السموات السبع في ارتفاعها واتساعها، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها ﴿فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي يدبر الأمر، ويقضي الحق، وهو خير الفاصلين.
وقوله ﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ أي استعلم عنه من هو خبير به عالم به، فاتبعه واقتد به، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه، سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فما قاله فهو الحق، وما أخبر به فهو الصدق، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب رد نزاعهم إليه، فما وافق أقواله وأفعاله فهو الحق، وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان، قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [النساء: ٥٩] الآية، وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ﴾ [الشورى: ١٠] وقال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ [الأنعام: ١١٥] أي صدقا في الإخبار وعدلا في الأوامر والنواهي، ولهذا قال تعالى: ﴿فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾.