للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير (١) وغيره عن أبي أمامة الباهلي موقوفا ومرفوعا: أن غيا وآثاما بئران في قعر جهنم، أجارنا الله منهما بمنه وكرمه. وقال السدي ﴿يَلْقَ أَثاماً﴾ جزاء، وهذا أشبه بظاهر الآية، وبهذا فسره بما بعده مبدلا منه، وهو قوله تعالى: ﴿يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ أي يكرر عليه ويغلظ ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً﴾ أي حقيرا ذليلا.

وقوله تعالى: ﴿إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً﴾ أي جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر ﴿إِلاّ مَنْ تابَ﴾ أي في الدنيا إلى الله ﷿ من جميع ذلك، فإن الله يتوب عليه، وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل، ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً﴾ [النساء: ٩٣] الآية، فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب لأن هذه مقيدة بالتوبة، ثم قد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] الآية. قد ثبتت السنة الصحيحة عن رسول الله بصحة توبة القاتل، كما ذكر مقررا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب، فقبل الله توبته، وغير ذلك من الأحاديث.

وقوله تعالى: ﴿فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ في معنى قوله ﴿يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ قولان [أحدهما] أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية، قال: هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات (٢)، وروي عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الآية [رجز]:

بدلن بعد حره خريفا … وبعد طول النفس الوجيفا (٣)

يعني تغيرت تلك الأحوال إلى غيرها، وقال عطاء بن أبي رباح: هذا في الدنيا، يكون الرجل على هيئة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا. وقال سعيد بن جبير: أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات. وقال الحسن البصري: أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصا، وأبدلهم بالفجور إحصانا، وبالكفر إسلاما، وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين.

[والقول الثاني] أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا


(١) تفسير الطبري ٩/ ٤١٧.
(٢) انظر تفسير الطبري ٩/ ٤١٨.
(٣) الرجز بلا نسبة في تفسير الطبري ٩/ ٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>