السحرة جمعا كثيرا وجما غفيرا، قيل: كانوا اثني عشر ألفا، وقيل خمسة عشر ألفا، وقيل سبعة عشر ألفا، وقيل تسعة عشر ألفا، وقيل بضعة وثلاثين ألفا، وقيل ثمانين ألفا، وقيل غير ذلك، والله أعلم بعدتهم.
قال ابن إسحاق: وكان أمرهم راجعا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم، وهم: سابور، وعاذور، وحطحط، ويصفى، واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم ﴿لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ﴾ ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم ﴿فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ﴾ أي إلى مجلس فرعون، وقد ضربوا له وطاقا (١)، وجمع خدمه وحشمه ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته، فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا، أي هذا الذي جمعتنا من أجله، فقالوا ﴿أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي، فعادوا إلى مقام المناظرة ﴿قالُوا يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٥ - ٦٦] وقد اختصر هذا هاهنا، فقال لهم موسى ﴿أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ﴾ وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئا هذ بثواب فلان، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف أنهم ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦].
وقال في سورة طه ﴿فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى﴾ -إلى قوله- ﴿وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى﴾ [طه: ٦٦ - ٦٩] وقال هاهنا ﴿فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ﴾ أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئا. قال الله تعالى: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿رَبِّ مُوسى وَهارُونَ﴾ [الأعراف: ١١٨ - ١٢٢] فكان هذا أمرا عظيما جدا، وبرهانا قاطعا للعذر، وحجة دامغة، وذلك أن الذي استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا، غلبوا وخضعوا، وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، وسجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة، فغلب فرعون غلبا لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحا جريئا، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهددهم ويتوعدهم ويقول ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: ٧١] وقال ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأعراف: ١٢٣] الآية.
(١) الوطاق: في التركية أوتاق وأوتاغ، والأطاق في التركية اسم للخيمة الكبيرة المزخرفة تعد للعظماء، والوطاق في العربية: الخيمة والمعسكر المكون من خيام. (انظر تأصيل الدخيل لما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل ص ١٩٨)