للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا﴾ [الأعراف: ٨٨] فأرجفوا بنبي الله ومن اتبعه فأخذتهم الرجفة، وفي سورة هود قال ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ [الحجر: ٧٣ - ٨٣] وذلك لأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم، فقال ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ الآية، وهاهنا قالوا ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ﴾ الآية، على وجه التعنت والعناد، فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

قال قتادة: قال عبد الله بن عمر : إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء، ثم إن الله تعالى أنشأ لهم سحابة، فانطلق إليها أحدهم فاستظل بها فأصاب تحتها بردا وراحة، فأعلم بذلك قومه فأتوها جميعا فاستظلوا تحتها فأججت عليهم نارا، وهكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: بعث الله إليهم الظلة حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة وأحمى عليهم الشمس، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى (١).

وقال محمد بن كعب القرظي: إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب: أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها، فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد، ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم، فأرسل الله عليهم الظلة، فدخل تحتها رجل فقال: ما رأيت كاليوم ظلا أطيب ولا أبرد من هذا، هلموا أيها الناس، فدخلوا جميعا تحت الظلة، فصاح بهم صيحة واحدة، فماتوا جميعا، ثم تلا محمد بن كعب ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

وقال محمد بن جرير (٢): حدثني الحارث، حدثني الحسن، حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، حدثني يزيد الباهلي، سألت ابن عباس عن هذه الآية ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ الآية، قال: بعث الله عليهم رعدا وحرا شديدا، فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هرابا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس، فوجدوا لها بردا ولذة، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا. قال ابن عباس: فذلك عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ أي العزيز في انتقامه من الكافرين، الرحيم بعباده المؤمنين.


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٤٧٤.
(٢) تفسير الطبري ٩/ ٤٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>