للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين ما شربتها قط، وما ذاك الشعر إلا شيء طفح على لساني. فقال عمر: أظن ذلك، ولكن والله لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت، فلم يذكر أنه حده على الشراب، وقد ضمنه شعره، لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به، ولهذا جاء في الحديث «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا» (١).

والمراد من هذا أن الرسول الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر، لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة، كما قال تعالى: ﴿وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩] وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ [الحاقة: ٤٠ - ٤٣] وهكذا قال هاهنا: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٤] إلى أن قال ﴿وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ إلى أن قال ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾.

وقوله ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري قال: لما نزلت ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله وهم يبكون، فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ قال «أنتم» ﴿وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً﴾ قال «أنتم» ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ قال «أنتم» رواه ابن أبي حاتم وابن جرير (٢) من رواية ابن إسحاق، وقد روى ابن أبي حاتم أيضا عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة، عن الوليد بن أبي كثير عن يزيد عن عبد الله، عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، أتيا رسول الله حين نزلت هذه الآية ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ يبكيان، فقال رسول الله وهو يقرؤها عليهما ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ حتى بلغ ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ قال «أنتم».

وقال أيضا حدثنا أبي، حدثنا أبو مسلم، حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال: لما نزلت ﴿وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ إلى قوله ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾ قال


(١) أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في الأدب باب ٧١، وأخرجه أيضا البخاري في الأدب باب ٩٢، ومسلم في الشعر حديث ٧ - ٩، وأبو داود في الأدب باب ٨٧، وابن ماجة في الأدب باب ٤٢، وأحمد في المسند ٢/ ٢٨٨، ٣٩١، ٤٧٨.
(٢) تفسير الطبري ٩/ ٤٩٠، ٤٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>