للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ملكها وسلطانا هو أعظم من سلطانها فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لا تشك أنه ماء تخوضه فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير، فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وحده وعاتبها في عبادة الشمس من دون الله، وقال الحسن البصري: لما رأت العلجة الصرح عرفت والله أن قد رأت ملكا أعظم من ملكها، وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه قال: أمر سليمان بالصرح وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس ثم قال لها ادخلي الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم من سلطانها ﴿فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها﴾ لا تشك أنه ماء تخوضه، قيل لها ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ﴾.

فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله ﷿ وحده وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله فقالت بقول الزنادقة فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت وسجد معه الناس فسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع فلما رفع سليمان رأسه قال ويحك ماذا قلت؟ قالت أنسيت ما قلت؟ فقالت ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ فأسلمت وحسن إسلامها (١).

وقد روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرا غريبا عن ابن عباس فقال: حدثنا الحسين بن علي عن زائدة حدثني عطاء بن السائب حدثنا مجاهد ونحن في الأزد قال حدثنا ابن عباس قال: كان سليمان يجلس على سريره ثم توضع كراسي حوله فيجلس عليها الإنس ثم يجلس الجن ثم الشياطين ثم تأتي الريح فترفعهم ثم تظلهم الطير ثم يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرا ورواحها شهر، قال فبينما هو ذات يوم في مسير له إذ تفقد الطير ففقد الهدهد فقال ﴿ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ قال: وكان عذابه إياه أن ينتفه ثم يلقيه في الأرض فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من هوام الأرض.

قال عطاء وذكر سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل حديث مجاهد ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [النمل: ٢٢]-فقرأ حتى انتهى إلى قوله- ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ اِذْهَبْ بِكِتابِي هذا﴾ [النمل: ٢٧ - ٢٨] وكتب ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾، إلى بلقيس ﴿أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها ألقي في روعها أنه كتاب كريم وأنه من سليمان وأن لا تعلوا علي وائتوني مسلمين قالوا نحن أولو قوة قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون، فلما جاءت الهدية سليمان قال:


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٥٣٨، ٥٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>