إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله، فقال: ما لك تنظر إلي؟ فقلت: أعجب من جمالك وكمالك. فقال: إن الله ليعجب مني، قال فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر، فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب به.
وقد ذكر أن هلاك قارون كان من دعوة موسى نبي الله ﵇، واختلف في سببه فعن ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله تعالى، فتقول يا موسى إنك فعلت بي كذا وكذا، فلما قالت ذلك في الملأ لموسى ﵇ أرعد من الفرق، وأقبل عليها بعد ما صلى ركعتين ثم قال: أنشدك بالله الذي فرق البحر وأنجاكم من فرعون، وفعل كذا وكذا لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت؟ فقالت: أما إذ نشدتني فإن قارون أعطاني كذا وكذا على أن أقول ذلك لك، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه، فعند ذلك خر موسى لله ﷿ ساجدا، وسأل الله في قارون، فأوحى الله إليه أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره، فكان ذلك.
وقيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك وهو راكب على البغال الشهب، وعليه وعلى خدمه ثياب الأرجوان المصبغة، فمر في محفله ذلك على مجلس نبي الله موسى ﵇ وهو يذكرهم بأيام الله، فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوههم نحوه ينظرون إلى ما هو فيه، فدعاه موسى ﵇ وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فلقد فضلت عليك بالدنيا، ولئن شئت لنخرجن فلتدعون علي وأدعو عليك، فخرج موسى وخرج قارون في قومه، فقال موسى ﵇: تدعو أو أدعو أنا، فقال: بل أدعو أنا، فدعا قارون فلم يجب له، ثم قال موسى: أدعو؟ قال: نعم، فقال موسى: اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم، فأوحى الله إليه أني قد فعلت، فقال موسى:
يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أقدامهم ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم، ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم. قال: فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده، ثم قال: اذهبوا بني لاوي فاستوت بهم الأرض.
وعن ابن عباس قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة، وقد ذكر هاهنا إسرائيليات غريبة أضربنا عنها صفحا. وقوله تعالى: ﴿فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾ أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه، ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله، ولا كان هو في نفسه منتصرا لنفسه، فلا ناصر له من نفسه ولا من غيره.
وقوله تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ﴾ أي الذين لما رأوه في زينته قالوا ﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ فلما خسف به أصبحوا يقولون ﴿وَيْكَأَنَّ اللهَ