للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهريراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني وقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا، قال: أجل، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما، فأهلك الله كسرى، وجاء الخبر إلى رسول الله يوم الحديبية، ففرح والمسلمون معه (١). فهذا سياق غريب وبناء عجيب.

ولنتكلم عن كلمات هذه الآيات الكريمة، فقوله تعالى: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور في أول سورة البقرة، وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم، وهم أبناء عم بني إسرائيل، ويقال لهم بنو الأصفر، وكانوا على دين اليونان، واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك، وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة، ويقال لها المتحيرة، ويصلون إلى القطب الشمالي، وهو الذين أسسوا دمشق، وبنوا معبدها، وفيه محاريب إلى جهة الشمال، فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة.

وكان من ملك الشام مع الجزيرة منهم يقال له قيصر، فكان أول من دخل في دين النصارى من الملوك. قسطنطين بن قسطس وأمه مريم الهيلانية الشدقانية من أرض حران، كانت قد تنصرت قبله، فدعته إلى دينها، وكان قبل ذلك فيلسوفا فتابعها، يقال تقية، واجتمعت به النصارى وتناظروا في زمانه مع عبد الله بن أريوس، واختلفوا اختلافا منتشرا متشتتا لا ينضبط، إلا أنه اتفق من جماعتهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، فوضعوا لقسطنطين العقيدة، وهي التي يسمونها الأمانة الكبيرة، وإنما هي الخيانة الحقيرة، ووضعوا له القوانين يعنون كتب الأحكام من تحريم وتحليل، وغير ذلك مما يحتاجون إليه، وغيروا دين المسيح ، وزادوا فيه ونقصوا منه، فصلوا إلى المشرق، واعتاضوا عن السبت بالأحد، وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير، واتخذوا أعيادا أحدثوها كعيد الصليب والقداس والغطاس وغير ذلك من البواعيث والشعانين، وجعلوا له الباب، وهو كبيرهم، ثم البتاركة، ثم المطارنة، ثم الأساقفة والقساقسة، ثم الشمامسة، وابتدعوا الرهبانية، وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد، وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينية، يقال إنه بنى في أيامه اثني عشر ألف كنيسة، وبنى بيت لحم بثلاث محاريب، وبنت أمه القمامة، وهؤلاء هم الملكية يعنون الذين هم على دين الملك.

ثم حدثت بعدهم اليعقوبية أتباع يعقوب الإسكاف، ثم النسطورية أصحاب نسطورا، وهم فرق وطوائف كثيرة، كما قال رسول الله «إنهم افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة» (٢)


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ١٦٤، ١٦٥.
(٢) أخرجه أبو داود في السنة باب ١، وابن ماجة في الفتن باب ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>