للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ممن جعل الملائكة بنات الله فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم إن لله ولدا، فقال تعالى: ﴿سُبْحانَهُ﴾ أي تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا ﴿بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي ليس الأمر كما افتروا وإنما له ملك السموات والأرض ومن فيهنّ وهو المتصرف فيهم وهو خالقهم ورازقهم ومقدّرهم ومسخّرهم ومسيّرهم ومصرّفهم كما يشاء والجميع عبيد له وملك له فكيف يكون له ولد منهم والولد إنما يكون متولدا من شيئين متناسبين وهو ليس له نظير ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له فكيف يكون له ولد؟ كما قال تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٠١] وقال تعالى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً﴾ [مريم: ٨٨ - ٩٢] وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١ - ٤]. فقرر تعالى في هذه الآيات الكريمة أنه السيد العظيم الذي لا نظير له ولا شبيه له وأن جميع الأشياء غيره مخلوقة له مربوبة فكيف يكون له منها ولد؟ ولهذا قال البخاري (١) في تفسير هذه الآية من البقرة: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي الحسين، حدثنا نافع بن جبير هو ابن مطعم عن ابن عباس عن النبي قال:

«قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا» انفرد به البخاري من هذا الوجه.

وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن كامل أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، أخبرنا محمد بن إسحاق بن محمد الفروي أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ويقول الله تعالى كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني وشتمني وما ينبغي له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته؛ وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» (٢).

وفي الصحيحين عن رسول الله أنه قال: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم» (٣).


(١) صحيح البخاري (تفسير سورة الفاتحة باب ٥)
(٢) وأخرجه البخاري أيضا من هذا الطريق في تفسير سورة الإخلاص باب ١.
(٣) صحيح البخاري (توحيد باب ٣؛ وأدب باب ٧١) وصحيح مسلم (منافقين حديث ٤٩، ٥٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>