للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك، وكذا روى العوفي وعكرمة عنه. وقال مالك عن زيد بن أسلم ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ﴾ لا تتكلم وأنت معرض، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة ويزيد بن الأصم وأبي الجوزاء وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد وغيرهم.

وقال إبراهيم النخعي: يعني بذلك التشديق في الكلام. والصواب القول الأول. وقال ابن جرير (١): وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها، حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر، ومنه قول عمرو بن حيي التغلبي [الطويل].

وكنا إذا الجبّار صعّر خدّه … أقمنا له من ميله فتقوّما (٢)

وقال أبو طالب في شعره [الطويل]:

وكنا قديما لا نقر ظلامة … إذا ما ثنوا صعر الرؤوس نقيمها (٣)

وقوله ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً﴾ أي خيلاء متكبرا جبارا عنيدا، لا تفعل ذلك يبغضك الله، ولهذا قال ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ أي مختال معجب في نفسه، فخور أي على غيره. وقال تعالى: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً﴾ [الإسراء: ٣٧] وقد تقدم الكلام على ذلك في موضعه. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شماس قال: ذكر الكبر عند رسول الله فشدد فيه، فقال «إن الله لا يحب كل مختال فخور» فقال رجل من القوم: والله يا رسول الله إني لأغسل ثيابي فيعجبني بياضها، ويعجبني شراك نعلي، وعلاقة سوطي، فقال «ليس ذلك الكبر، إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس» ورواه من طريق أخرى بمثله، وفيه قصة طويلة، ومقتل ثابت ووصيته بعد موته.

وقوله ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ أي امش مقتصدا مشيا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلا وسطا بين بين. وقوله ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، ولهذا قال ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى، وهذا التشبيه في هذا بالحمير، يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم، لأن رسول الله قال «ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٢١٤.
(٢) البيت للمتلمس في ديوانه ص ٢٤، ولسان العرب (درأ)، (صعر)، (كون)، والتنبيه والإيضاح ١/ ١٥، ٢/ ١٤٩، وتاج العروس (درأ)، (صعر)، (كون)، ولعمرو بن حنيّ التغلبي في تفسير الطبري ١٠/ ٢١٤، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٢/ ٢٧٤، ويروى «من درئه» بدل «من ميله».
(٣) البيت في سيرة ابن هشام ١/ ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>