للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا.

وقوله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ﴾ قال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه. وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف. وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به عذاب القبر. وقال النسائي، أخبرنا عمرو بن علي، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، وأبي عبيدة عن عبد الله ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ﴾ قال: سنون أصابتهم.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثني عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الجزار، عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الآية ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ﴾ قال: القمر والدخان قد مضيا والبطشة واللزام (١)، ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفا نحوه. وعند البخاري (٢) عن ابن مسعود نحوه. وقال عبد الله بن مسعود أيضا في رواية عنه: العذاب الأدنى ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر، وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم. قال السدي وغيره: لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير، فأصيبوا أو غرموا، ومنهم من جمع له الأمران.

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها﴾ أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها.

قال قتادة: إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة، وأعوز أشد العوز، وعظم من أعظم الذنوب، ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك ﴿إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ أي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام.

وروى ابن جرير (٣): حدثني عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا محمد بن المبارك، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله يقول: ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق، أو عق والديه، أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم، يقول الله تعالى: ﴿إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به وهذا حديث غريب جدا.


(١) أخرجه مسلم في صفات المنافقين حديث ٤٢، وأحمد في المسند ٥/ ١٢٨.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٤٤، باب ١.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>