للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم». وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي ، حكاه البغوي وغيره، واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه». وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة (١). وأخرجه النسائي وابن ماجة من حديث ابن عجلان، والوجه الثاني أنه لا يقال ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ﴾ أي في حكم الله ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ﴾ أي القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار، وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم، كما قال ابن عباس وغيره: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه للأخوة التي آخى بينهما رسول الله ، وكذا قال سعيد بن جبير وغيره من السلف والخلف. وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام فقال: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي من ساكني بغداد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام قال:

أنزل الله ﷿ فينا خاصة معشر قريش والأنصار ﴿وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ﴾ وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم ووارثناهم، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد، وآخى عمر فلانا، وآخى عثمان رجلا من بني زريق بن سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره، قال الزبير : وواخيت أنا كعب بن مالك فجئته فابتعلته، فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى، والله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة، فرجعنا إلى مواريثنا.

وقوله تعالى: ﴿إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً﴾ أي ذهب الميراث وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية. وقوله تعالى: ﴿كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً﴾ أي هذا الحكم، وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض، حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول الذي لا يبدل ولا يغير، قاله مجاهد وغير واحد، وإن كان تعالى قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة وهو يعلم أنه سينسخه إلى ما هو جار في قدره الأزلي وقضائه القدري الشرعي، والله أعلم.


(١) أخرجه أبو داود في الطهارة باب ٤١، والنسائي في الطهارة باب ٣٥، وابن ماجة في الطهارة باب ١٦، والدارمي في الطهارة باب ١٤، وأحمد في المسند ٢/ ٢٤٧، ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>