للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوجهه عن رسول الله إجلالا وإكراما وإعظاما، فقال له رسول الله «نعم». فقال : إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم، فقال له رسول الله «لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة»، وفي رواية «لقد حكمت بحكم الملك»، ثم أمر رسول الله بالأخاديد فخدت في الأرض، وجيء بهم مكتفين، فضرب أعناقهم وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، وسبى من لم ينبت منهم مع النساء وأموالهم، وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة الذي أفردناه موجزا وبسيطا، ولله الحمد والمنة. ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ﴾ أي عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بني إسرائيل، كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما طمعا في اتباع النبي الأمي الذين يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩] فعليهم لعنة الله.

وقوله تعالى: ﴿مِنْ صَياصِيهِمْ﴾ يعني حصونهم، كذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والسدي وغيرهم من السلف، ومنه سمي صياصي البقر، وهي قرونها لأنها أعلى شيء فيها، ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ وهو الخوف، لأنهم كانوا مالؤوا المشركين على حرب النبي ، وليس من يعلم كمن لا يعلم، وأخافوا المسلمين وراموا قتالهم ليعزوا في الدنيا، فانعكس عليهم الحال، وانقلبت إليهم القتال، انشمر المشركون ففازوا بصفقة المغبون، فكما راموا العز ذلوا، وأرادوا استئصال المسلمين فاستئصلوا، وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة، ولهذا قال تعالى: ﴿فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً﴾ فالذين قتلوا هم المقاتلة والأسراء هم الأصاغر والنساء.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا هشيم بن بشير، أخبرنا عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال: عرضت على النبي يوم قريظة، فشكوا في، فأمر بي النبي أن ينظروا هل أنبت بعد، فنظروني فلم يجدوني أنبت، فخلي عني وألحقني بالسبي (٢)، وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق عن عبد الملك بن عمير به. وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه النسائي أيضا من حديث ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عطية بنحوه. وقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ﴾ أي جعلها لكم من قتلكم لهم ﴿وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها﴾ قيل: خيبر، وقيل مكة، رواه مالك عن زيد بن أسلم وقيل فارس والروم، وقال ابن جرير يجوز أن يكون الجميع مرادا ﴿وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾.


(١) المسند ٥/ ٣١١، ٣١٢.
(٢) أخرجه أبو داود في الحدود باب ١٨، والترمذي في السير باب ٢٩، وابن ماجة في الحدود باب ٤، والدارمي في السير باب ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>