للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: يا رسول الله يذكر الرجال ولا نذكر، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ﴾ الآية.

[حديث آخر] قال ابن جرير (١): حدثنا أبو كريب قال: حدثنا سيار بن مظاهر العنزي، حدثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: قال النساء للنبي : ما له يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات؟ فأنزل لله تعالى:

﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ﴾ الآية، وحدثنا بشر حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبي فقلن: قد ذكر كن الله تعالى في القرآن ولم نذكر بشيء أما فينا ما.

يذكر؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ﴾ (٢) الآية، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ دليل على أن الإيمان غير الإسلام، وهو أخص منه لقوله تعالى: ﴿قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤]. وفي الصحيحين «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (٣) فيسلبه الإيمان ولا يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين، فدل على أنه أخص منه كما قررناه أولا في شرح البخاري.

وقوله تعالى: ﴿وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ﴾ القنوت هو الطاعة في سكون ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٩] وقال تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٦] ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: ٤٣] ﴿وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها وهو الإيمان، ثم القنوت ناشئ عنهما ﴿وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقاتِ﴾ هذا في الأقوال، فإن الصدق خصلة محمودة ولهذا كان بعض الصحابة لم تجرب عليهم كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وهو علامة على الإيمان، كما أن الكذب أمارة على النفاق، ومن صدق نجا، «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن.

الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (٤).

والأحاديث فيه كثيرة جدا، ﴿وَالصّابِرِينَ وَالصّابِراتِ﴾ هذه سجية الأثبات، وهي الصبر على المصائب، والعلم بأن المقدر كائن لا محالة وتلقي ذلك بالصبر عند الصدمة الأولى، أي


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٣٠٠.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٢٩٩، ٣٠٠.
(٣) أخرجه ابن ماجة في الفتن باب ٣.
(٤) أخرجه البخاري في الأدب باب ٦٩، ومسلم في البر حديث ١٠٣، ١٠٤، ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>