للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَضْلَهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أي وَيَسْتَجِبْ نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً أَيْ فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّهُنَّ فِي مَنَازِلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فَوْقَ مَنَازِلِ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ فِي الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ مَنَازِلِ الْجَنَّةِ إِلَى العرش.

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]

يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤)

هَذِهِ آدَابٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِسَاءُ الأمة تبع لهن في ذلك، فقال تعالى مُخَاطِبًا لِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كَمَا أَمَرَهُنَّ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِهُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ وَلَا يَلْحَقُهُنَّ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْمَنْزِلَةِ، ثُمَّ قال تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ:

يَعْنِي بِذَلِكَ تَرْقِيقَ الْكَلَامِ إِذَا خَاطَبْنَ الرِّجَالَ، وَلِهَذَا قال تعالى: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَيْ دَغَلٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَوْلًا حَسَنًا جَمِيلًا مَعْرُوفًا فِي الْخَيْرِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهَا تُخَاطِبُ الْأَجَانِبَ بِكَلَامٍ لَيْسَ فِيهِ تَرْخِيمٌ، أَيْ لَا تُخَاطِبِ الْمَرْأَةُ الْأَجَانِبَ كَمَا تُخَاطِبُ زوجها.

وقوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أي الزمن فَلَا تَخْرُجْنَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَمِنِ الْحَوَائِجِ الشَّرْعِيَّةِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ بِشَرْطِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلْيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» «١» وَفِي رِوَايَةٍ «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» «٢» .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْكَلْبِيُّ رَوْحُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ثِقَةٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جِئْنَ النِّسَاءُ إِلَى رَسُولِ الله فَقُلْنَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِالْفَضْلِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَا لَنَا عَمَلٌ نُدْرِكُ بِهِ عَمَلَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قعدت- أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- مِنْكُنَّ فِي بَيْتِهَا، فَإِنَّهَا تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى» ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ إِلَّا رَوْحَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَشْهُورٌ.

وَقَالَ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا محمد المثنى، حدثني عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا


(١) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٥٢، والدارمي في الصلاة باب ٥٧، وأحمد في المسند ٢/ ٤٣٨، ٤٧٥، ٥٢٨، ٥/ ١٩٢، ١٩٣، ٦/ ٧٠.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ أحمد في المسند ٢/ ٧٦، ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>