للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لا ينصرف عنه منصرف، وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا. وحدثني (١) يونس عن ابن وهب قال: قال ابن زيد ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ﴾ قال يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه، وما أحسن ما قاله الشاعر في هذا المعنى أورده القرطبي (٢): [الرمل] جعل البيت مثابا لهم … ليس منه الدهر يقضون الوطر

وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني ﴿مَثابَةً لِلنّاسِ﴾ أي مجمعا ﴿وَأَمْناً﴾ قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنا للناس. وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً﴾ يقول وأمنا من العدو وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون، وروي عن مجاهد وعطاء والسدي وقتادة والربيع بن أنس قالوا: من دخله كان آمنا.

ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا، من كونه مثابة للناس، أي جعله محلا تشتاق إليه الأرواح، وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرا ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى، لدعاء خليله إبراهيم ، في قوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، إلى أن قال: ﴿رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾ [إبراهيم: ٤٠] ويصفه تعالى بأنه جعله آمنا من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه، فلا يعرض له، كما وصف في سورة المائدة في قوله تعالى: ﴿جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] أي يدفع عنهم بسبب تعظيمها السوء، كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت، لأطبق الله السماء على الأرض، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولا، وهو خليل الرحمن، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً﴾ [الحج: ٢٦].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً﴾ [آل عمران: ٩٦ - ٩٧] وفي هذه الآية الكريمة، نبه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده. فقال ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾.

وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو، فقال ابن أبي حاتم: أخبرنا عمرو بن شبة النميري، حدثنا أبو خلف، يعني عبد الله بن عيسى، أخبرنا داود بن أبي هند عن مجاهد عن ابن عباس ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ قال: مقام إبراهيم الحرم كله. وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك. وقال أيضا أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ فقال سمعت ابن عباس قال: أما مقام


(١) تفسير الطبري ١/ ٥٨٢.
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>