للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتروا مني دوري، اشتروا مني أرضي، فلم يزل حتى باع دوره وأرضه وعقاره.

فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال: أي قوم إن العذاب قد أظلكم وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم دارا جديدا وحمى شديدا وسفرا بعيدا، فليلحق بعمان، ومن أراد منكم الخمر والخمير والعصير. وكلمة قال إبراهيم لم أحفظها-فليلحق ببصرى، ومن أراد الراسخات في الوحل: المطعمات في المحل، المقيمات في الضحل، فليلحق بيثرب ذات نخل، فأطاعه قومه، فخرج أهل عمان إلى عمان. وخرجت غسان إلى بصرى، وخرجت الأوس والخزرج وبنو عثمان إلى يثرب ذات النخل، قال: فأتوا على بطن مر، فقال بنو عثمان هذا مكان صالح لا نبغي به بدلا، فأقاموا به فسموا لذلك خزاعة، لأنهم انخزعوا من أصحابهم، واستقامت الأوس والخزرج حتى نزلوا المدينة، وتوجه أهل عمان إلى عمان وتوجهت غسان إلى بصرى.

هذا أثر غريب عجيب، وهذا الكاهن هو عمرو بن عامر أحد رؤساء اليمن وكبراء سبأ وكهانهم.

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في أول السيرة ما كان من أمر عمرو بن عامر الذي كان أول من خرج من بلاد اليمن بسبب استشعاره بإرسال العرم عليهم، فقال: وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن فيما حدثني به أبو زيد الأنصاري أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عنهم الماء فيصرفونه حيث شاؤوا من أرضهم، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النقلة عن اليمن، وكان قومه، فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به، فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيها أصغر ولدي وعرض أمواله. فقال أشراف من أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو، فاشتروا منه أمواله وانتقل هو في ولده وولد ولده، وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك وكانت حربهم سجالا، ففي ذلك يقول عباس بن مرداس السلمي [الطويل]:

وعك بن عدنان الذين تغلبوا … بغسان حتى طرّدوا كل مطرد (١)

وهذا البيت من قصيدة له. قال: ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان، فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرا، ونزلت أزد السراة السراة، ونزلت أزد عمان عمان، ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه، وفي ذلك أنزل الله ﷿ هذه الآيات. وقد ذكر السدي قصة عمرو بن عامر بنحو مما ذكر محمد بن إسحاق، إلا أنه قال: فأمر ابن أخيه مكان ابنه-إلى قوله فباع ماله وارتحل بأهله فتفرقوا، رواه


(١) البيت في ديوان عباس بن مرداس السلمي ص ١٢٠، وتاج العروس (عكك)، وسيرة ابن هشام ١/ ١٠، ١٣، ويروى «تلقبوا» بدل «تغلّبوا».

<<  <  ج: ص:  >  >>