للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهاب: أن أنس بن مالك حدثهم، قال: رأيت المقام فيه أصابعه وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم.

وقال ابن جرير (١): حدثنا بشر بن معاذ أخبرنا يزيد بن زريع، أخبرنا سعيد عن قتادة ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه. وقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى.

(قلت) وقد كان هذا المقام ملصقا بجدار الكعبة قديما ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك ولهذا، والله أعلم، أمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» وهو الذي نزل القرآن بوفاته في الصلاة عنده، ولهذا لم ينكر ذلك أحد من أصحابه أجمعين.

قال عبد الرزاق عن ابن جريج: حدثني عطاء وغيره من أصحابنا، قال: أول ما نقله عمر بن الخطاب ، وقال عبد الرزاق أيضا عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب ، وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضيل القطان، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا أبو ثابت، حدثنا الدراوردي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة : أن المقام كان زمان رسول الله ، وزمان أبي بكر ، ملتصقا بالبيت، ثم أخره عمر بن الخطاب ، وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي أخبرنا ابن أبي عمر العدني قال: قال سفيان، يعني ابن عيينة وهو إمام المكيين في زمانه: كان المقام من سقع البيت على عهد رسول الله ، فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي وبعد قوله ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ قال: ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا، فرده عمر إليه.

وقال سفيان: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله، وقال سفيان لا أدري أكان لاصقا بها أم لا؟ فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه، والله علم.

وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا ابن عمر وهو أحمد بن محمد بن حكيم، أخبرنا محمد بن عبد الوهاب بن أبي تمام، أخبرنا آدم هو ابن أبي إياس في تفسيره، أخبرنا شريك عن


(١) تفسير الطبري ١/ ٥٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>