للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الكلم الطيب ذكر الله تعالى، يصعد به إلى الله ﷿، والعمل الصالح أداء الفريضة، فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله وذكر الله تعالى به إلى الله ﷿، ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، فكان أولى به، وكذا قال مجاهد: العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب، وكذا قال أبو العالية وعكرمة وإبراهيم النخعي والضحاك والسدي والربيع بن أنس وشهر بن حوشب وغير واحد. وقال إياس بن معاوية القاضي، لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام. وقال الحسن وقتادة: لا يقبل قول إلا بعمل.

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ﴾ قال مجاهد وسعيد بن جبير وشهر بن حوشب:

هم المراؤون بأعمالهم، يعني يمكرون بالناس يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى، وهم بغضاء إلى الله ﷿ يراءون بأعمالهم ﴿وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [النساء: ١٤٢] وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون، والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال تعالى: ﴿لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ أي يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهي، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنين المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل ينكشف لهم عن قريب وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.

وقوله : ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أي ابتدأ خلق أبيكم من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً﴾ أي ذكرا وأنثى، لطفا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجا من جنسكم لتسكنوا إليها. وقوله ﷿: ﴿وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ﴾ أي هو عالم بذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء بل ﴿ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: ﴿اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ﴾ [الرعد: ٨ - ٩].

وقوله ﷿: ﴿وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ﴾ أي ما يعطي بعض النطف من العمر الطويل يعلمه وهو عنده في الكتاب الأول ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ الضمير عائد على الجنس لا على العين، لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لا ينقص من عمره، وإنما عاد الضمير على الجنس قال ابن جرير: وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي هو ونصف ثوب آخر، وروي من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ يقول: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت

<<  <  ج: ص:  >  >>