للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزخرف: ٧٤] وقال جل وعلا: ﴿كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً﴾ [الإسراء: ٩٧] ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً﴾ [النبأ:٣٠] ثم قال تعالى: ﴿كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ أي هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب الحق.

وقوله جلت عظمته: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها﴾ أي ينادون فيها يجأرون إلى الله ﷿ بأصواتهم ﴿رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ﴾ أي يسألون الرجعة إلى الدنيا ليعملوا غير عملهم الأول، وقد علم الرب أنه لو ردهم إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون فلهذا لا يجيبهم إلى سؤالهم، كما قال تعالى مخبرا عنهم في قولهم ﴿فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ أي لا يجيبكم إلى ذلك لأنكم كنتم كذلك، ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه، ولذا قال هاهنا:

﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ أي أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟ وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد هاهنا، فروي عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: مقدار سبع عشرة سنة.

وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر قد نزلت هذه الآية ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة، وكذا قال أبو غالب الشيباني. وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن رجل عن وهب بن منبه في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ قال: عشرين سنة وقال هشيم عن منصور عن زاذان عن الحسن في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ قال: أربعين سنة، وقال هشيم أيضا عن مجاهد عن الشعبي عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة، فليأخذ حذره من الله ﷿.

وهذه رواية عن ابن عباس فيما قال ابن جرير (١): حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: العمر الذي أعذر الله تعالى لابن آدم ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ أربعون سنة، هكذا رواه من هذا الوجه عن ابن عباس به، وهذا القول هو اختيار ابن جرير، ثم رواه من طريق الثوري وعبد الله بن إدريس، كلاهما عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن ابن عباس قال العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في قوله: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ ستون سنة، فهذه الرواية أصح عن ابن عباس ، وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضا، لما ثبت في ذلك من الحديث


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>